بحسب «المعجم الفلسفي» للعلاّمة جميل صليبا، الدين في اللغة هو العادة، والحال، والسيرة، والسياسة، والرأي، والحكم، والطاعة والجزاء، ومنه «مالك يوم الدين»، و«كما تدين تدان». ويطلق الدين عند الفلاسفة القدماء على وضع إلهي يسوق ذوي العقول إلى الخير. ويفرّق بعض الفلاسفة بين الدين والملة والمذهب، على أساس أن الشريعة من حيث إنها مُطاعة تسمّى ديناً، ومن حيث إنها جامعة تسمّى ملة، ومن حيث إنه يُرجع إليها تسمّى مذهباً. هناك رأي آخر يرى أن الدين منسوب إلى الله، والملّة منسوبة إلى الرسول، والمذهب منسوب إلى المجتهد. هنا نستطيع أن نلاحظ فرقاً بين الدين الذي جاء من عند الله وبين كرة الثلج التي تراكمت، فأصبحت مذهباً يختلف عما حوله من المذاهب، بسبب اجتهاد شخص أو عدة أشخاص يمثلون مدرسة فكرية أو تحيّزاً ما.
في الفلسفة الحديثة للدين عدة معانٍ، فهو جملة من الإدراكات والاعتقادات والأفعال الحاصلة للنفس جراء حبها لله، والدين هو الإيمان بالقيم المطلقة والعمل بها، وهناك مصطلح نشأ في القرن الثامن عشر يقال له «الدين الطبيعي» تبناه فلاسفة مشاهير من مثل روسو وفولتير وديدرو وغيرهم، وهو يقوم على الاعتقاد بوجود الله وخيريته، وبروحانية النفس وخلودها، وبإلزامية فعل الخير من جهة ما هو ناشئ عن وحي الضمير ونور العقل، هذا الدين الطبيعي الذي دعا إليه فلاسفة عصر التنوير، إنما نشأ بسبب استغلال الدين والممارسات الكنسية الفاسدة التي ضاق بها الفلاسفة والناس ذرعاً.
أما «إميل دوركايم» فقد عرّف الدين بأنه مؤسسة اجتماعية قوامها التفريق بين المقدس وغير المقدس، ولها جانبان أحدهما روحي مؤلف من العقائد والمشاعر الوجدانية، والآخر مادي مؤلف من الطقوس والعادات. بناء على ما سبق، لنا أن نفرق بين نوعين من الدين، الدين الفردي والدين الجمعي، فالدين الفردي يعبر عن حالة خاصة شديدة الخصوصية بين الخالق والمخلوق، علاقة تتسم بالبساطة والبُعد عن التعقيد والكثرة، وتقوم على كثير من التسامح والشفقة والرحمة، لدرجة أن النوايا الطيبة والمحبة تغني عن كثير العمل، وتكون سبباً للتغاضي عن كثير الزلل «دعوه فإنه يحب الله ورسوله». وهذا التدين الفردي يقوم بوظيفة لا تقوم بها الفلسفة ولا يوفرها العلم، ألا وهي شعور الإنسان بالطمأنينة وعدم خوفه من الموت والفناء، وتحرره مما ينعكس بسبب ذلك من شعور بالشقاء وإحساس بعبثية الحياة. أما الدين الجمعي، رغم أنه قد ساهم ويساهم في جمع الناس وتوحيدهم وتعاونهم، فإنه يرتبط بمخاطر لا تخطئها العين.
يمكن أن نلمح ثلاث علامات تدل على الدين الجمعي، ألا وهي قبول جماعة من الناس لبعض الأحكام المشتركة وقيامهم بشعائر معينة، إيمانهم بقيم مطلقة وحرصهم على توكيد هذا الإيمان وحفظه، اعتقادهم أن الإنسان متصل بقوة روحية أعلى منه، مفارقة لهذا العالم أو سارية فيه. هذه هي سمات الدين الجمعي العامة، لكن الحركات الدينية السياسية عبر العصور كانت دائماً ما توظفه لخدمة مصالح سياسية معينة، بعد أن أصبح الفرد في قبضة الجماعة، وبعد أن فقد الدين خصوصيته. خذ على سبيل المثال جماعة «الإخوان» التي كونت لنفسها تنظيماً عالمياً وصناديق مالية وجمعت ثروة طائلة تفوق ميزانية بعض الدول، وكيف أنهم يُشعلون الحروب كلما وجدوا جماعة من المسلمين تقيم في إقليم صغير في دولة غير مسلمة، مطالبين بالحكم الذاتي لتلك الجماعة، بغض النظر عن الحروب والضحايا والدماء البريئة. هنا تبرز الميزة العظيمة للتدين الخاص الذي لا يدخلك في حروب وصراعات لا علاقة لك بها.
*كاتب سعودي
في الفلسفة الحديثة للدين عدة معانٍ، فهو جملة من الإدراكات والاعتقادات والأفعال الحاصلة للنفس جراء حبها لله، والدين هو الإيمان بالقيم المطلقة والعمل بها، وهناك مصطلح نشأ في القرن الثامن عشر يقال له «الدين الطبيعي» تبناه فلاسفة مشاهير من مثل روسو وفولتير وديدرو وغيرهم، وهو يقوم على الاعتقاد بوجود الله وخيريته، وبروحانية النفس وخلودها، وبإلزامية فعل الخير من جهة ما هو ناشئ عن وحي الضمير ونور العقل، هذا الدين الطبيعي الذي دعا إليه فلاسفة عصر التنوير، إنما نشأ بسبب استغلال الدين والممارسات الكنسية الفاسدة التي ضاق بها الفلاسفة والناس ذرعاً.
أما «إميل دوركايم» فقد عرّف الدين بأنه مؤسسة اجتماعية قوامها التفريق بين المقدس وغير المقدس، ولها جانبان أحدهما روحي مؤلف من العقائد والمشاعر الوجدانية، والآخر مادي مؤلف من الطقوس والعادات. بناء على ما سبق، لنا أن نفرق بين نوعين من الدين، الدين الفردي والدين الجمعي، فالدين الفردي يعبر عن حالة خاصة شديدة الخصوصية بين الخالق والمخلوق، علاقة تتسم بالبساطة والبُعد عن التعقيد والكثرة، وتقوم على كثير من التسامح والشفقة والرحمة، لدرجة أن النوايا الطيبة والمحبة تغني عن كثير العمل، وتكون سبباً للتغاضي عن كثير الزلل «دعوه فإنه يحب الله ورسوله». وهذا التدين الفردي يقوم بوظيفة لا تقوم بها الفلسفة ولا يوفرها العلم، ألا وهي شعور الإنسان بالطمأنينة وعدم خوفه من الموت والفناء، وتحرره مما ينعكس بسبب ذلك من شعور بالشقاء وإحساس بعبثية الحياة. أما الدين الجمعي، رغم أنه قد ساهم ويساهم في جمع الناس وتوحيدهم وتعاونهم، فإنه يرتبط بمخاطر لا تخطئها العين.
يمكن أن نلمح ثلاث علامات تدل على الدين الجمعي، ألا وهي قبول جماعة من الناس لبعض الأحكام المشتركة وقيامهم بشعائر معينة، إيمانهم بقيم مطلقة وحرصهم على توكيد هذا الإيمان وحفظه، اعتقادهم أن الإنسان متصل بقوة روحية أعلى منه، مفارقة لهذا العالم أو سارية فيه. هذه هي سمات الدين الجمعي العامة، لكن الحركات الدينية السياسية عبر العصور كانت دائماً ما توظفه لخدمة مصالح سياسية معينة، بعد أن أصبح الفرد في قبضة الجماعة، وبعد أن فقد الدين خصوصيته. خذ على سبيل المثال جماعة «الإخوان» التي كونت لنفسها تنظيماً عالمياً وصناديق مالية وجمعت ثروة طائلة تفوق ميزانية بعض الدول، وكيف أنهم يُشعلون الحروب كلما وجدوا جماعة من المسلمين تقيم في إقليم صغير في دولة غير مسلمة، مطالبين بالحكم الذاتي لتلك الجماعة، بغض النظر عن الحروب والضحايا والدماء البريئة. هنا تبرز الميزة العظيمة للتدين الخاص الذي لا يدخلك في حروب وصراعات لا علاقة لك بها.
*كاتب سعودي